المرأة الكويتية والوقف -دراسة عن إسهامات المرأة الكويتية من خلال الوثائق العدسانية
أول دراسة تختص بنشاط المرأة الكويتية وإسهاماتها المجتمعية
من خلال الوثائق العدسانية
المرأة الكويتية والوقف
للدكتور فيصل الكندري
اعداد حمزة عليان
في سيرة أول صحافي كويتي، السيد هاشم بن أحمد الرفاعي وقفة نبل للمرأة الكويتية قديما، أشار إليها الكاتب والباحث يعقوب يوسف الابراهيم، عندما أراد أن يجرب حظه في الغوص، ولكن لم يكن لديه المال الكافي لشراء سفينة وتجهيزها بالبحارة واحتياجاتهم، حاول أن يستدين من التجار فلم يجد من يلبي الطلب، وعندما علمت زوجته بالأمر قامت على الفور وسلمته كل مصاغاتها الذهبية، لكنه رفض فأصرت متوسلة إليه أن يقبلها، يقول «أخذت حلي امرأة في مقتبل العمر لم يمض على زواجي منها أكثر من شهرين، وانا أشعر بألم ورهنته عند أحد التجار بألف روبية». وكان ذلك تقريبا بين 1910 و1915.
وفي هذا السياق جاءت دراسة الدكتور فيصل عبدالله الكندري استاذ التاريخ في جامعة الكويت والأولى من نوعها لاختصاصها بالقاء الضوء على نشاط المرأة الكويتية في ميدان الوقف، ولا سيما المرأة العادية من خلال التركيز على الحياة الاجتماعية داخل المجتمع الكويتي قبل ظهور النفط وخلال الفترة ما بين 1947 و1930.
اعتمد الدكتور فيصل الكندري في دراسته «نشاط المرأة الكويتية من خلال وثائق الوقف» على الوثائق الوقفية أو ما يعرف بالوثائق العدسانية، خلال الفترة من 1847 إلى 1930، حيث تبدأ اقدم الوثائق في الظهور، وتنتهي بآخر القضاة من عائلة العدساني، والتي تولى افرادها القضاء لفترة مستمرة من الزمن بلغت 178 عاما.
الكتيب صدر قبل مدة عن الأمانة العامة للأوقاف، وفيه قسمان رئيسيان:
الأول اسهامات المرأة في الوقف الخيري،
والثاني يتعلق بنشاطها في الحياة اليومية المتصل بالوقف، مثل الذهاب الى القاضي للتسجيل، ومزاولة عملية البيع والشراء لمختلف العقارات، وتولي الاشراف على رعاية شؤون العقار.
شاركت المرأة الكويتية جنبا الى جنب مع الرجل في عمليات الوقف، وكان لاسهاماتها السخية دور بارز في تقدم المؤسسة الوقفية وازدهارها مما يدل على نمو الواعزين المجتمعي والديني عند الكثيرات منهن منذ السنوات الاولى لتأسيس الكويت الحديثة، وبلغ اجمالي عدد الواقفين الرجال 4340، بينما عدد النساء الواقفات 224 واقفة.
والدراسة تبين ان المرأة لم ينحصر دورها في البقاء داخل البيت، انما تقوم بمشاركة الرجل في الادارة وفي العمليات الاقتصادية، من دون ان يخل ذلك باهتماماتها ومسؤولياتها داخل الاسرة، فكانت تذهب الى القاضي في مكتبه لتثبت امامه الواقعة. واتخذت الوقفيات اشكالا عدة وهي:
1 - الوقف الخيري:
بنت الغانم
الوقف الخيري، وهو ما يوقف على وجه من وجوه الخير كالمساجد واطعام الفقراء وافطار الصائمين وغيرها من وجوه الخير.
بنت ملكة بنت محمد الغانم مسجدا بجوار منزلها (يقع قرب ديوان الشملان على شارع الخليج العربي)، ليتمكن زوجها محمد بن صقر الغانم من الصلاة فيه، حيث ثقل عليه الذهاب الى المسجد البعيد عن بيته بسبب زيادة وزنه وصعوبة حركته، وذلك في عام 1250 هــ / 1834م. واوقفت ملكة بنت محمد منزلين على المسجد، احدهما ليكون مدرسة لتحفيظ القرآن الكريم، والآخر لسكن الامام، كما قامت بخدمة المسجد بنفسها طوال فترة حياتها.
وقامت بنت ديلم، وهي سيدة من مدينة الزبير بالعراق، ورثت عن والدها ثروة طائلة، وكانت الوريثة الوحيدة والوصية على ثلث والدها من الخيرات، فكتبت الى السيد يوسف بن عبدالله الصقر، عندما علمت عن نيته تجديد مسجد السوق الكبير الذي كان قد بني في عام 1209هـ / 1794م، معربة عن رغبتها في تجديد هذا المسجد على نفقتها. وقالت إنها قامت بأعمال خيرية كثيرة في الزبير، ورد عليها الصقر بأنه ينوي القيام بهذا العمل وحده ابتغاء لمرضاة الله عز وجل، ولكنها اصرت ان يجعل لها حصة في بناء مسجد السوق، وتحت هذا الإلحاح وافق بأن يجعل قيمة الشبابيك والاعمدة الخشبية والأبواب، التي كان ينوي استيرادها من الهند، على نفقتها.
وعندما سافر يوسف الصقر الى الهند، قدم لصديقه التاجر الهندي ميمني، من مدينة كوجين على ساحل مليبار، قائمة بالمواد المطلوب تجهيزها للكويت، وما ان علم الاخير بالأمر حتى ألح على يوسف بأن يشارك في الأجر والثواب، وان يتحمل على نفقته الخاصة قيمة الاخشاب، وتحت الحاح المذكور وافق يوسف من حيث المبدأ، شريطة ان يشاور بنت دليم ويحصل على موافقتها، وانتهى الامر بالاتفاق على ان يتحمل الاثنان مناصفة قيمة الاخشاب والابواب والشبابيك، فجدد بناء المسجد عام 1255هـ / 1839م على نفقة بنت دليم والتاجر الهندي ويوسف الصقر الذي تحمل النصيب الاكبر من النفقات.
وبعد قرن تقريبا قامت حفيدة يوسف الصقر، وهي شاهة بنت حمد بن يوسف الصقر، بتجديد بناء المسجد القديم على نفقتها الخاصة في عام 1355هـ / 1963م.
بنت غانم بنت جبر
توجهت بزة بنت غانم بنت جبر الى مجلس جماعة من المسلمين واوقفت العين المشهورة باسم «عين الشيخة» الواقعة شمالي قصر ابوحليفة على إمام مسجد ابوحليفة، وهذه العين كانت مسورة، وبها بعض المزروعات ولا سيما النخيل، ومنحت الامام حرية التصرف بهذه العين، واذا خلا المسجد من الامام فوضت الى مجموعة من الامناء من الموجودين بالقصر اطلقت عليهم «الجماعة» الاشراف على هذه العين بحيث يأخذون دخلها للانفاق على ترميم المسجد، او دفع اجرة المؤذن، وذلك في غرة شعبان 1330 هــ / 16 يوليو 1921م.
2- الوقف الأهلي: البيوت والدكاكين
وهو ان يوقف الواقف عقارا معينا على ذريته، او على احد من اقاربه ومنها:
حبست سلمى بنت مسعود بيتها على ابنتها موزة بنت جديع، وذلك في 16 ذي القعدة 1314 هــ / 18 مايو 1897م.
كما اوقفت سعيدة بنت جامع بيتها على ابنتها عائشة، وعلى ذريتها من بعدها، وعلى ذرية ذريتها على ان تصرف من اجرته على طعام واضحية في 2 جمادى الثانية 1302هــ / 20 مارس 1885م.
وهذه شيخة بنت عبدالله بن غانم توقف بيتها الكائن في محلة المطبة (حي شرق) على محمد ودعيج ابناء خليفة الدبوس، وعلى ذريتهم وذرية ذريتهم ما تناسلوا بطنا بعد بطن الى ان يرث الله الارض ومن عليها وذلك في 11 شوال 1339 هــ / 18 يونيو 1921م.
لم يقتصر الوقف الذري على البيوت فقط، وانما شمل الدكاكين والمحال ايضا، ومن ذلك اوقفت قوت بنت محمد بيتها والدكان الموجود بالبيت على ابناء ولدها عبدالله، وهم محمد وشيخة وعلى ذريتهما من بعدهما، على ان يخصص لها كل عام اضحيتان تنحران لها ولوالديها ولزوجها حمد بن مريفع، وحررت الوقفية في 18 ذي الحجة 1348 هــ / 16 مايو 1930م.
ما يميز الوقف في دولة الكويت هو وقف الحظور (ومفردها حظرة) وهي عبارة عن مصيدة لصيد الاسماك، وتعتمد في عملها على حركة المد والجزر، وهذه نصرة حمود الجويسري، اوقفت بيت ابيها وحظور الدوحة والسيف وبوبيان على ابنتها سعدة في 20 شعبان 1301 هــ / 16 يونيو 1884م.
3- الوقف المشترك: الخيري والأهلي
وهو أن يوقفه صاحبه على ذريته في البداية ثم يؤول في آخر الأمر الى وقف ذري، ومثال ذلك:
أوقفت فاطمة بنت غانم الحريص بيتها الكائن في محلة (فريج الفرج) على عشيات وضحايا لها ولوالديها، وجعلت النظارة لها مدة حياتها ثم لابنتها نهية بنت ناصر الحريص، ومن بعدها على ذريتها وذرية ذريتها، انقرضوا فهو وقف على مسجد العوازم.
وحررت هذه الوقفية في جمادى الأولى 1235 هــ/ فبراير 1917.
كما أوقفت نورة عبدالرزاق بن سكري بيتها الواقع في سكة مسقف العبدالرزاق على هيا ولطيفة بنات مبارك بن ثاني، ومن بعدهن وقفاً على عمارة مسجد العبدالرزاق، وذلك في جمادى الأولى 1236 هـــ/ مارس 1918.
أوقفت سارة بنت خلف بيتها على بناتها صالحة وهيا وزهية بنات محمد الخرثي، واشترطت على من ينزل بالبيت بأن يضحي ويطعم للمذكورين، وذلك في 9 جمادى الأولى 1322 هـــ/ 22 يوليو 1904.
4- رعاية الفقراء والمساكين:
ومن أنواع الوقف الخيري هو وقف عقار معين على عشيات وضحايا، والمقصود بالعشيات هو: أن يطبخ أرزاً ولحماً أو هريساً أو جريشاً في أيام النوافل كالنصف من شعبان والثاني عشر من ربيع الأول، أو في كل ليلة جمعة من ليالي رمضان، وتوزع على الفقراء أو الجيران.
والوقفيات التي تناولت هذا النوع من الوقف كثيرة ومتعددة منها على سبيل المثال:
أوقفت سارة بنت محمد بن عبدالمحسن بيتها الكائن في محلة المطران على عشيات وضحايا لها ولوالديها في 1 صفر 1341هــ/ 23 سبتمبر 1922.
كما أوقفت موضي بنت عبدالله بن مشعل بيتها الكائن في حي المرقاب على عشيات وضحايا لها ولوالديها في 12 ربيع الأول 1341 هـــ/ 2 نوفمبر 1922.
اشترت فهيدة بنت خليف تشتري سالم بن زيد حظرة الدمنة بثمن وقدره 14 ريالاً. ثم توقف الحظرة على عشيات وضحايا لها ولأخيها مثيب ولوالديهما، وأعطت النظارة لأخيها مثيب ثم لذريتها، ثم تعود لذرية مثيب وذلك في 18 شعبان 1283 هــ/ 26 ديسمبر 1866.
الى جانب عمليات الوقف كانت المرأة تقوم بنفسها بالبيع والشراء للعقارات المختلفة، سواء كانت دكاكين او محلات او بيوت، وعمليات الشراء تتم بين الرجال والنساء، او ان يختلط فيها الجنسان في البيع والشراء وتشرف على تحصيل الدخل وترميم العقارات وتنفيذ وصية الواقف كاطعام الطعام وذبح الاضاحي وانفاق الاموال.
نماذج من الوقفيات العدسانية
احتوى الكتاب على نماذج من الوقفيات نشرت كما وردت في الاصل، تتعلق باوقاف النساء وما يتصل بها من نظارة ووصايا ومنها: وقف بنت برجس وبنت عوض وبنت العتيقي وبنت الدوسري.
عتق العبيد
تشير الوثائق الوقفية الى الرأفة والرحمة التي اظهرها الكويتيون تجاه الارقاء والعبيد. لذا اخذ ابناء المجتمع يتسابقون الى تحرير العبيد من رق العبودية تقربا الى الله تعالى، ولم يقتصر هذا العمل على الرجال فقط وانما كان للنساء نصيب في ذلك.
اعتقت ميثة بنت مصيح عبدها بخيت، وزوجته من وردة رغبة منها في الحصول على الاجر والثواب من الله عز وجل، ولم تكتف بذلك وانما حرصت ميثة على ان تزودهما ببعض المال فاعطت عبدها 10 ريالات. واوقفت البيت والحظور على يد عبيدها، ولها إطعام واضحية وذلك في عام 1263 هـ / 1ر 847م.
كما اعتقت حصة بنت الشيخ حمود الجسار مملوكتها زعفران لوجه الله تعالى، وطلبت من وكيلها عيسي ان يعتني بزعفران وبابنتها فاطمة، وحررت هذه الوقفية في 18 محرم 1292 هـ / 24 فبراير 1875م.
توجهت لولوة بنت علي بن مخيزيم وعلي بن عبدالعزيز بن مخيزيم وعلي بن سعيد الى القاضي في 27 جمادى الاول 1334هــ / 20 مارس 1916م، وشهدوا بان هيا بنت علي بن مخيزيم اعتقت «عبدتها» المسماة هدية لوجه الله تعالى، وذلك في حياتها وقبل وفاتها بتسع سنين، ولم تتركها تسكن العراء، وتتلحف السماء، وانما وفرت لها مسكنا عبارة عن منزل صغير كانت قد اشترته من بيت اخيها عبدالعزيز بن علي بن مخيزيم بمبلغ وقدره 20 ريالا، وملكتها البيت لتسكن فيه.
وكان لهؤلاء الارقاء حرية التصرف في ممتلكاتهم، فكان بامكان بيع البيوت الممنوحة لهم من قبل ملاكها او تأجيرها، ومثال ذلك ان مطرة تابعة ابراهيم الغانم وامها هدية تابعة شاهين الغانم، باعتا بيتهما الواقع في محلة المطبة الى خالد بن فايز الخميس بثمن وقدره 100 روبية، وسلمهما الثمن بكامله، وحرر القاضي وثيقة البيع هذه في 23 رجب 1335 هــ / 16 مايو 1917م.